--------------------------------------------------------------------------------
•✿ ོالوردة البيضاء ( بقلمى )•✿ ོ
تثتغيث الاهات من ألم حشايا الروح مكنون ؛ وتختنق الكلمات فى فمى ويبقى الكلام مدفونا .
هو الليل غريب بطبعه وظالم بأفكاره حين ينفرد بى ؛ فتلك الليالى التى قضيتها وحيد آ أبحث عن بصيص من
ضوء طيفك بين سحب الظلام القاتم الذى أحبط فى إشراقة أمل كنت أستمد منها وقودى . أبحث عن القمر
المخبأ خلف تلك الجبال وأبقى أرقبه حتى يشع ضوؤه ويطل على ، فقط لاننى عندما كنت أنظر إليه ترتسم
صورتك فيه فأ شرد معها طويلآ سارحآ بأحلام وتخيلات جميلة راحت تغرينى لآستنزفها جميعها إلى
أن يختفى لأ درك عندها أن الشمس قد أشرقت وأن الظلام قد رحل بقمره المتقمص بصورة حبيبتى الآزلية .
كنت أحب القمر وأنتظره بفارغ صبرى ويطول الانتتظار دائما فى أشهر لآيظهر فيها فأبقى على أمل اللقاء معه
أو با لآحرى اللقاء بصورة حبيبتى المتقمصة فيه.
كان الشتاء قد فتح أبوابة ليذكرنى بأنها تحب الشتاء فأعود بشريط ذكرياتى معها إلى الوراء وأتوقف عند تلك
اللحظة التى عشتها بكل ما فيها من حزن و ألم وروعة وجمال عندما كانت السماء تذرف أمطارها اللطيفة ،
والجو هادئ يملؤه السكون ،
ورائحة الحب تفوح من يدينا اللتين بللهما المطر كرائحة الصباح فى الربيع ، كنا نتمشى معآ نتبادل أحاديث
الهوى وقصص الغرام ، وضحكة حبيبتى ملآت المكان حياة عند ذلك الرصيف الذى جلسنا عليه ، فوضعت
رأسها على كتفى وقالت لى (( أتحبنى؟ ))
صمت قليلا ونظرت حولى فلم أجد أحدآ فى الشارع ، فصرخت بصوت عال : (( أحبك )) فخجلت واحمر
خدها ووضعت يدها على فمى ، فارتسمت ابتسامة على ثغرها شعرت بها فى قلبى المفطور على حبها
والمغروس فى أحشاء وجدانى النابض بها . حضنتنى وبكت ورحت أشاركها البكاء ولم نعرف كلانا لماذا بكينا ،
فا متزجت دموعنا مع قطرات المطر ولم نعد نفرق الدموع من الامطار . أدركت أنها فى حاجة إلى البكاء ، وفى
حاجة إلى دموعى لتشعر أكثر بأننى بجانبها ولن أتخلى عنها ، فأمسكت يدها ووضعتها فى جيبى وأكملنا سيرنا .
كنت أشعر بيدها تتشبث بيدى بقوة وكأننى سأهرب منها ، وفجاة وقع بصرها على وردة بيضاء .فذهبت مسرعة
وقطفتها و أعطتنى
إيها وقالت : أتعرف لماذا اخترت اللون الأبيض وليس الأحمر ؟
فقالت : لآ
وسألتها لماذا ؟ فأجابت : لآنها تشبه قلبك وحبك لى ، فأنت صاف كهذه الوردة ، و أتمنى أن تحافظ عليها ، فربما
تبقى ذكرى جميلة تذكرك بى .
عندها أنتابنى شعور غريب وكأننى اختفيت من أمامها للحظات وراحت الآفكار تأخذنى بعيدآ ، وبدأت التخيلات
تزيد من قسوتها على فجمعت قواى وسألتها لماذا ستبقى ذكرى ، وأين ستذهبين ؟
أبتسمت وقالت : هو القدر يا حبيبى .. هو القدر .
و أكملت قائلة : دعنا نكمل مشوارنا ونستمتع ببعضنا ، أريد أن أستغل كل دقيقة معك و أشعر أكثر بدفئك وحنانك .
توقف عقلى عند آخر كلمة نطقت بها وراح صدى صوتها يتردد فى مسمعى وهى تقول (( هو القدر ))
فما زالت السماء كريمة بأمطارها الدافئة ، وما زلنا نحب بعضنا مع كل حبة مطر تسقط ، فأخذتها وذهبنا إلى تلك
الحديقة ، التى كنا نلجأ إليها ونجلس فيها ونتحدث قبل أن يغادر كل منا إلى بيته ونفترق ، جلسنا على ذلك المقعد
المسور با الورود و آلآزهار والملئ بروائح الحب بكل الآلوان ، ورحت أضحكها و أحدثها عن أيام الطفولتى وما
كنت أفعله با لاطفال فى مدرستى ، وعن أمى التى اختبأت عنها فى خزانتى وتركتها تبحث عنى إلى أن خرجت
منها وذقت نصيبى وقتها من العقوبة ، لآننى أخفتها على . كانت درة محدقة بى متأملة فى عينى وأنا أقص
عليها مواقف من طفولتى . لم تنطق بشىء ، بل كنت أرى أبتسامتها تغص بأوجاع شعرت بها وبألمها ، لكن
تفكيرى الدائم بسعادتها لم يترك لى المجال لأفكر فى شىء آخر . لذلك ، كنت أحاول خلق جو من البهجة
والسرور لآشعرها با السعادة دائما .
كان حضورها يطغى على كل شىء ، فلم أكن أرى سواها أو أشعر بغيرها كانت السلاسل والقيود ، والعالم
الوحيد الذى أحيا فيه ، وفجأة قاطعت حديثى وقالت ك :
(( يوسف ))
نظرت إليها بعينين لمعت فيهما دمعة سقطت من السماء وقلت : نعم .
قألت (( لماذا أحببتنى ؟))
فقالت لها : لآنك كريمة بحبك كهذه السماء . وجميلة كهذه لازهار والورود ، ومنعشة ورقيقة كحبات المطر ،
فأنا عاجز حبيبتى أن أصف ما أشعر به تجاهك أو أن أصف حفنة من جمال روحك ، أو أن أجد كلمة أميزك فيها
،فأنت أجمل وأرق وأروع وأصعب من أن تكون هناك كلمة تصف هذه الروعة كلها ، فلو كتبت أساطير أو حتى
روايات سأبقى عاجزآ ، لآننى أدركت أنك ملاك ، وأنا لا أستطيع أن أصف شيئا لا أراه فيكفينى حبيبتى أن أشعر
بك إلى جانبى ، فأنت ظلى فى النهار وخيالى فى الليل ، وشمسى فى الصباح وقمرى فى الظلام ، أنت شعورى
فى السعادة ودموعى فى الحزن والنور لعينى ولا لعينى نور سواك .
نظرت إلى وضمتنى إليها وقالت : (( يا الله ما أعذب كلامك ))
كان حضنها دافئآ ترتجف فيه مشاعرها خائفة من مصير مجهول يتربص بها ، هذا ما أحسست به ، بقيت معلقآ
بين ما أشعر به وما استشعرته من هذا الحضن الذى بعث رعب الفراق فى الذى كنت حذرا منه طوال حياتى .
كان منظر الشمس حزينآ على غير عادته فراحت تنحدر خلف الآفق وتختفى شيئا فشيئآ حتى لم يتبقى منها سوى
أشعة اخترقت السحاب لتزين السماء بمنظر لم أر له مثيلا فى حياتى .
فقالت : ( لقد حدثتنى عن طفولتك وأخبرتنى عندما اختبأت عن أمك . فما رأيك أن نلعب الغميضة ؟ )
قلت ك لم لآ .
وفعلا أغمضت عينى و انتظرت قليلا و إذا بصوتها يأتى من بعيد ويقول لى أفتح . ففتحت عينى ، كانت أشعة
الشمس قد تبددت و أختفت تمامآ وليس هناك سوى الظلام ، فلم أجد حبيبتى . كانت قد أختبأت ، فرحت أبحث
عنها فى كل مكان ، فلم أجدها . طال الوقت وبدأت معه أقلق . فرحت أنادى أين أنت يا مريم ؟ فلم تجيب ،
\
عندها ازداد ت دقات قلبى وازداد معها خوفى وتلبكت ، ولم أعد أدارى ما أفعل . لقد تأخرت كثير آ والليل قد
حل ولم تفصح عن مكانها ، وتابعت بحثى عنها فى كل أرجاء الحديقة وأنا نادى وأصرخ أين أنتى يا حبيبة ؟
وبعفوية بدأت با البكاء وراحت الدموع تنهمر من عينى ، لآن خوفى عليها وكلماتها التى قالتها لى عادت
لتتردد فى مسمعى : (( هو القدر هو القدر )) فى هذه اللحظات بدأت أسترجع كل شىء ، وأتخيل ضحكتها و أبكى أكثر وأكثر .
وفجأة ، نظرت خلف شجرة الياسمين وإذا بحبيبتى ممددة بجانبها ، فركضت إليها والخوف يملآ قلبى
ورحت أناديها مريم .. مريم فلم تجيب كانت الصدمة الآولى التى أتلقاها فى حياتى وصورتها أمامى تمزق قلبى
المسكين وتميتنى ألف ميتة من شدة حزنى عليها ، فأمسكتها بين يدى وحضنتها بروحى ودموعى تنهمر على
جسدها المتعطش حبآ ، فجننت وصرخت ألما وتأوهت وجعآ ، لاننى حين وضعت يدى على قلبها كان قد توقف
. كان جسدها قد تبلل من المطر المتساقط عليه تفوح منه رائحة الياسمين الذى ما زال يرافقنى حتى هذه اللحظة .
اكتشفت لا حقآ أنها أخفت عنى إصابتها بذلك المرض الذى استشرى بها ، خوفآ من أتالم عليها . فقد كانت
حريصة على أكثر من حرصى على نفسى ، فكم تمنيت أن أشاركها آلمها ، أو أن أموت بدلآ منها ، فلم
تشعرنى للحظة بأنها مريضة و أنها تتألم . فقط لكى لا أتألم ، كانت حياة جميلة . فقدتها بكل ما تعنيه
الكلمة من الحرمان والندم على إنسانية عاشقة لم يكن للتاريخ أن يكررها .
لماذا رحلت وتركتنى أتألم يا مريم ؟ فها هى الوردة البيضاء كما قلت ، أصبحت ذكرى تؤلمنى ، ومازلت
كاماتك راسخة فى عقلى ترفض الزوال . لماذا تركتنى وحيدآ يا حبيبتى أصارع وحدتى مع هذا الليل القاسى
الذى سرقك فى لحظة أغمضت فيها ا عينى ؟
لماذا تركتينى أندم لآننى أغمضت ؟
لماذا يا مريم ؟ لماذا ؟
فها أنا اعتنقت الليل أرقب قمرآ تقمصت صورتك فيه ، آلاحق رذاذ المطر عند تلك الشجرة التى أصبحت معبدآ
أزوره كل يوم وأبكى ، لكننى عندما أحسب عمرى يبقى يوم هو عندى كل عمرى عندما أحسست بأننى عشت
بعض العمر عاشقا لك ..
دائما نهذى بأسماء تسكن وجداننا ونرددها دومآ فى الآحلام ونستيقظ من نومنا فجأة ونذكر أصحابها وننسى
النسيان . فنحاول العيش للحظة معهم ونستعيدهم فى يوم من ألآيام ، ويسيرشريط الذكريات ببطء ، وتبدأ معه
ومعنا ىلآوهام ، فننسى المحيطين بنا ليذكرنا الوقت بأنهم رحلوا و أصبحوا كان يا مكان .
أعدك بأنك ستبقين هناك فى قلبى ، حيث يوجد الحب وتوجد أزهار العشق ذات الآلوان البيضاء برائحة الحنين الطويل إليك .
وسأبقى أنا عند شجرة الياسمين وأغمض عينى دائما ، لعل القدر يا حبيبتى عندما افتحهما يأتى وأجدك أمامى .
لكن دائما من يموتون يرتاحون من أوعاعهم . لكنهم يدفعون فى قلوبنا ويتركوننا نتألم ، يرحلون بعيدا ،
حيثلاعودة ولا لقاء ولا انتظار ولا أى شىء . لا يبقى منهم سوى ذكرى جميلة تثير فينا كل أنواع الآلم وتستثير
فينا الندم وتحرمنا من الآستمتاع با الحياة ،
فستبقى أروحنا تائهة بين أن تحيا أو تموت ن فحياتها لا تعنى أنها
حية وموتها لا يعنى أنها ميته ، ففى الحياة ذاتها موت ، وفى الموت ذاته الحياة